وكذلك حرفوا الشريعة، فمثلاً: من التشريعات التي حرفوها: تحريم التماثيل. وهذا الأمر له علاقة بالعقيدة، فإن جميع ما أنزل الله سبحانه وتعالى من الكتب على الرسل تدعو الناس إلى تحريم صناعة التماثيل وتعظيمها؛ لأنها أصل عبادة الأصنام، وأولهم قوم نوح عليه السلام، فإن قومه صوروا وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً في أول الأمر ليتذكروهم؛ فآل بهم الأمر إلى أن عبدوهم، فحرم الله تبارك وتعالى التصوير، وإبراهيم عليه السلام هو الذي حطم الأصنام وجعلها جذاذاً، وقد جاء التحريم أيضاً في التوراة، ففيها: "لا تكونوا كالوثنيين، ولا تصنعوا تمثالاً، ولا تعبدوا حجراً، ولا ترسموا صورة"، ومثله في الإنجيل، ولكن جاء بولس فأباح لهم التماثيل، حتى أصبحت كل كنيسة في العالم، وكل ميدان من الميادين العامة في المدن ونحوها، فيها صورة للمسيح، وصورة لأمه، وصورة للملائكة، وأشد من ذلك -والعياذ بالله- أنهم يأتون بصورة رجل كبير في السن، وبجانبه مريم والمسيح، ويقولون: هذه مريم، وهذا عيسى، وهذا الله، تعالى الله عما يصفون! فهل يعقل أن يكون هذا الكلام في كتاب الله وأن يكون الله أنزله ؟! ومع ذلك يقولون: هذا هو الإنجيل، وهذا هو كتاب الله، وهذا الكلام كلامه تعالى!!
ومن ضمن ما غير بولس في شريعة النصارى: الختان الذي هو سنة إبراهيم عليه السلام، فقد اختتن إبراهيم عليه السلام، وجعل ذلك سنة لبنيه من بعده: (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ)[العنكبوت:27]، فكل الأنبياء من بعده هم من ذريته عليه الصلاة والسلام، فجاء بولس فحرم الختان، ولهذا فإن النصارى يبقون غرلاً (قلفاً) غير مختونين. وكذلك أحل لهم أكل الميتة والنجاسات وقد كان محرماً في الإنجيل.
وهدى الله أمة الإسلام في ذلك كله: ((فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ))[البقرة:213]، فمن أعظم نعم الله تعالى على أمة الإسلام: أن هداهم لما اختلف فيه اليهود والنصارى من الحق، ومن ذلك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: {نحن الآخرون الأولون يوم القيامة..}، فقد ضلَّ اليهود والنصارى عن يوم الجمعة، فجعلته اليهود السبت، وجعلته النصارى الأحد، وهدى الله تعالى هذه الأمة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فهداهم إلى يوم الجمعة.
وفي مسائل الشريعة والعبادة نجد العجب العجاب! فصوم اليهود -وهو سبتهم- أن يترك الفرد بعض الأشياء، فلا يركب السيارة أو الدابة مثلاً ويظن أن هذه هي العبادة. وصيام النصارى هو عدم أكلهم ما كان فيه دهن أو ما كان من ذي روح.
وكذلك وضعوا تشريعات من عندهم في الطهارة، فمن دين اليهود: التشدد في التحرز من النجاسة، فإذا وقعت النجاسة على أحدهم فإنه يقص ما وقعت عليه النجاسة، وأما النصارى فإنهم يتساهلون تساهلاً شديداً؛ فإن الواحد منهم لا يغتسل من الجنابة ولا يتطهر من الخبث، ثم يدخل الكنيسة فيتعبد ويترهب وهو بهذه القذارة والنجاسة والعياذ بالله! وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق في الطهارة، وفي الاختتان، وفي خصال الفطرة جميعاً، وفي كل شيءٍ، والحمد لله رب العالمين.